رحلة ترويض القطط عبر التاريخ

Lijab - رحلتي مع القطط... حكاية لا تنتهي
0

 

رحلة ترويض القطط عبر التاريخ



منذ آلاف السنين، ارتبط الإنسان بالعديد من الحيوانات، إلا أن علاقة البشر بالقطط كانت وما تزال علاقة فريدة من نوعها، مفعمة بالمودة والاحترام المتبادل. فالقطط لم تكن مجرد حيوانات أليفة، بل كانت عبر التاريخ رموزًا دينية، وشركاء في الحياة اليومية، وحماة من الآفات، وأحيانًا حتى أيقونات ثقافية. فكيف بدأ استئناس القطط؟ وكيف تطورت علاقتنا بها عبر العصور؟

البدايات الأولى: أين ومتى بدأ استئناس القطط؟

تشير الأدلة الأثرية إلى أن أولى مظاهر استئناس القطط بدأت قبل حوالي 9500 سنة، في منطقة الشرق الأدنى، وتحديدًا في جزيرة قبرص. ففي عام 2004، اكتشف فريق من علماء الآثار قبراً قديماً يحتوي على بقايا إنسان وقطة مدفونة بجانبه، مما يدل على أن العلاقة بين البشر والقطط كانت وثيقة للغاية منذ ذلك الزمن.

الأمر الأكثر إثارة هو أن القطط يبدو أنها اختارت بنفسها التقرّب من البشر. فمع تحوّل الإنسان من مجتمع الصيد والجمع إلى الزراعة، أصبحت الحقول والمخازن الزراعية تجذب القوارض. وهنا وجدت القطط البرية فرصة ذهبية للصيد الوفير قرب التجمعات البشرية، ومع مرور الوقت، بدأ البشر يقدّرون دور القطط في حماية محاصيلهم من الآفات، فنشأت علاقة منفعة متبادلة تطورت إلى علاقة صداقة.

القطط في الحضارة المصرية القديمة

لا يمكن الحديث عن تاريخ القطط دون التطرق إلى الحضارة المصرية القديمة، التي كانت تعد القطط مخلوقات مقدسة. فقد اعتبر المصريون القدماء القطط تجسيداً للإلهة "باستيت"، رمز الحماية والخصوبة والنعومة. انتشرت صور وتماثيل القطط في كل مكان: في المنازل، والمعابد، وحتى القبور.

وقد وصلت قداسة القطط إلى حد أن إيذاء قطة أو قتلها كان يعتبر جريمة كبرى قد تعاقب بالإعدام. كما كانت العائلات الثرية تزيّن قططها بالحُلي الذهبية وتخصص لها خدمًا خاصين. ومن الشائع أن بعض العائلات كانت تقوم بتحنيط قططها بعد وفاتها ودفنها مع مراسم دينية كاملة، دليلاً على الحب والتقدير.

انتشار القطط في أوروبا والعالم

مع توسع الإمبراطوريات الكبرى، مثل الرومانية والفينيقية، انتقلت القطط إلى أوروبا وشمال إفريقيا وآسيا. وقد اصطحب البحّارة الفينيقيون القطط على متن سفنهم لحماية المؤن من القوارض، مما ساعد على نشر القطط في مناطق متعددة حول البحر الأبيض المتوسط.

ومع دخول العصور الوسطى في أوروبا، اختلفت مكانة القطط بين الاحترام والخوف. ففي بعض الفترات، كانت القطط تُعتبر رموزاً للحظ السعيد وحماة ضد الأرواح الشريرة. لكن مع انتشار الخرافات، خصوصًا أثناء فترات محاكمات الساحرات، أصبحت القطط، خاصة السوداء منها، تُتهم بأنها مساعدين للسحرة، مما أدى إلى اضطهادها وإحراقها في الساحات العامة.

رغم هذه النظرة السلبية المؤقتة، استمرت القطط في أداء دورها الطبيعي كحامية للمنازل والمزارع من الفئران والأمراض المرتبطة بها. وعندما اجتاحت أوروبا أوبئة خطيرة مثل الطاعون الأسود، أدرك الناس أهمية القطط مجددًا، إذ ساعدت في تقليص أعداد القوارض الحاملة للمرض.

القطط في العصر الحديث

مع بدايات القرن السابع عشر والثامن عشر، بدأ الناس يعودون إلى تقدير القطط ليس فقط لمهاراتها في الصيد، بل أيضًا لرفقتها المريحة. أصبحت القطط تدريجياً حيوانات أليفة تُربّى داخل المنازل، ترافق أفراد الأسرة، وتضفي الدفء على البيوت.

وفي القرن التاسع عشر، بدأ الاهتمام بتربية القطط بشكل منهجي، حيث ظهرت أولى عروض القطط المنظمة في إنجلترا. وتم تأسيس أولى جمعيات تربية القطط التي اهتمت بتوثيق السلالات، ورعاية تربية أنواع نادرة منها.

اليوم، تحتل القطط مكانة مرموقة في قلوب ملايين البشر حول العالم. فهي ليست فقط رفيقة مخلصة، بل أصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية، تظهر في الكتب والأفلام ومواقع التواصل الاجتماعي، محبوبة بجميع أشكالها وألوانها.

القطط رمز عالمي للحب والجمال

ربما ما يميز القطط أكثر من أي حيوان آخر هو قدرتها على الجمع بين الاستقلالية والحنان في آنٍ واحد. فهي تستطيع العيش مستقلة، ولكنها تقدم الحب الخالص لمَن يكسب ثقتها. كما تتمتع القطط بمرونة جسدية رائعة، وحواس دقيقة للغاية، مما يجعلها صيّادة ماهرة، ورفيقة ممتعة.

من الحضارات القديمة إلى العصر الرقمي الحديث، ظلّت القطط حاضرة دائمًا في حياة الإنسان، تحمل رسائل المحبة، والدهاء، والحرية. وكلما تأملنا في رحلة استئناس القطط عبر العصور، أدركنا أن هذه العلاقة لم تكن مجرد صدفة، بل كانت حتمية جميلة جمعت قلب الإنسان بروح الحيوان في تناغم مدهش.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)